” لوين رايحين” هكذا غنت فيروز لحبيبها عندما شعرت أنها ستفقده.
اليوم أطرح نفس السؤال نحن “لوين رايحين” هذا هو السؤال المطروح عندما نتوه في مكان ما أو عندما نكون في وضع حرج أو مخز، لا شك أنه سؤال عميق “نحن لوين رايحين “؟
ما زال في ذاكرتي مشهد من فيلم مصري قديم، الأولاد يركضون خلف “عواد” الذي باع أرضه ويهتفون قائلين: “عواد باع أرضه شوفوا طوله وعرضه يا ولاد” أي يا لفضيحة عواد الذي باع أرضه، يا له من أمر عظيم ليجعل الأولاد يركضون خلفه في الطرقات والشوارع ويجلجلون فضيحته لأنه في ذلك الوقت كانت فضيحة كبيرة أن يبيع الإنسان أرضه، لا أعرف لماذا باع أرضه وكيف باعها، ولكن يبدو أنها كانت صفقة جيدة ليعرض نفسه عواد لتلك الفضيحة.
نحن اليوم نبيع ما هو أغلى وأعز وبقلب بارد وبلا خجل وبكل فخر ومفاخرة نحن اليوم نبيع لغتنا العربية، كلا نحن لا نبيعها بل نرميها وراء ظهورنا وبدم بارد، فهناك فئة من الناس اليوم يعتبرون أن اللغة العربية هي من المظاهر البدائية (المتخلفة) ،ويركضون لاهثين خلف اللغات الأجنبية ويلبسونها وكأنها ثوباً جميلاً و يتفاخرون به ، فاليوم في مجالس السيدات تفتخر السيدة قائلة:” إن ابني الصغير لا يتكلم اللغة العربية” وأخرى تقف في سياق حديثها لتقول:” أنا لا أعرف كيف أوصل لكم الفكرة باللغة العربية أو ماذا يقولون باللغة العربية “ماذا حدث لكم ؟ماذا دهاكم؟ هل نمتم بلغة واستيقظتم بلغة أخرى؟ هل هو مرض جلدي أصابكم؟ كيف استغنيتم عن لغتكم؟ لماذا تدفنون لغتكم؟ وأين وفي أي تراب مرغتم وجوهكم لتدفنوها فيه؟ لعلمكم إن اللغة العربية لا تموت ولا تدفن. أنتم من تموتون وتداسون بأقدام من تقلدون.
في يومنا هذا هناك العديد من الأشخاص الذين يعتقدون أن أهم مظاهر التطور والحضارة هو التخلص من اللغة العربية وإلقاء بعض الكلمات الأجنبية في أثناء الحديث من حين إلى آخر هذا طبعاً فقط في المجتمعات العربية التي يبدو أنها لم تشبع من الاستعمار بعد.
هناك سؤال دائما ما يطاردني، هل الشعوب الأخرى عندما تتطور تتخلص من لغتها أي عندما يريد الكائن الياباني أن يتحضر أكثر مما هو متحضر فهل يستغني عن لغته ويترك أبنائه كأنهم بُله لا يتكلمون لغتهم الأم؟ أم الكائن الفرنسي المتطور والمتحضر يضع أبناءه في مدارس إنجليزية كما نفعل نحن لننزع عنه أعز ما يملك نعم أعز ما يملك لأن لغتنا هي ماضينا ومستقبلنا وشرفنا وحضارتنا لا تنزعوها ولا ترموها في مزابل التاريخ سيأتي يوماً ويحاسبكم أبنائكم الذين أبعدتموهم اليوم عن لغتهم سيحاسبونكم ولن يسامحونكم.
هل تذكرون درس التاريخ عندما كان أستاذ التاريخ يحدثنا عن الاحتلال التركي فكان يقول أن الأتراك كانوا يتبعون سياسة التتريك أي إدخال اللغة التركية إلى المدارس وكذلك إلى الحياة اليومية وذلك للقضاء على هوية الشعوب العربية، القضاء على مستقبلهم وكذلك فعل المستعمر الفرنسي وغيرهم أما اليوم فالمستعمر في عرشه مرتاح ونحن نفتح قبور اللغة نحن نساعدهم نحن نبيع دون حتى أن يشتروا ما أرخصنا فنحن نعرض حتى دون طلب.
نحن نبيع لنبيع فقط، يا للخسة والمهانة متى سنصحو؟ متى سنرجع للغة الضاد؟ متى سنعود؟ صدقوني عندما نعود أمة عربية واحدة ولسان الضاد يجمعنا سنكون أعز الأمم وأقواها ولكن هل سنعود؟