هناك العديد من النظريات في علم التنمية البشرية وأهمها هي “نظرية الخريطة ليست هي الواقع” ماذا تعني هذه النظرية؟
أي أن تصورنا عن الحياة ليس بالضرورة هو الصحيح فما نقوله أو نظنه هو مسلمات ومعطيات الأفكار عن الواقع التي ليس بالضرورة أن تكون صحيحة. لا زلت أذكر المحاضر في دروس التنمية البشرية كيف أجاد في الأمثلة والشروح والتحليلات عند شرح هذه النظرية: وكان مثاله: إذا كان لديك خريطة دمشق مثلاً فهل هو حقيقي أن هذه الخريطة هي فعلاً دمشق؟ طبعاً لا.
لذلك لا يجوز أن نرمي الأحكام كما يحلو لنا ونلوم الأخرين على أفعالهم، وهنا يحضر لي مجموعة أمثلة من كتاب القرآن الكريم في سورة الكهف، حين كسر الرجل الحكيم السفينة التي كانت لمساكين يعملون في البحر، وحين قتل الفتى الوحيد، وحين بنى الجدار في القرية التي رفض أهلها أن يضيفوهم. كم تبدو هذه الأفعال بظاهرها مشينة، ولكن عندما عرفنا الحقيقة علمنا أن ما كل ما نراه في أعيننا ليس هو الواقع.
فالرجل الحكيم الذي كسر سفينة الشبان المساكين كسرها خوفاً عليهم لئلا يأخذها منهم الحاكم الظالم الذي كان يأخذ كل سفينة لا عيب فيها. وأما الفتى فقتله لأنه فتى عاق لوالديه وسيتعب أهله الطيبين، فقتله رحمة بأهله، أما الجدار الذي بناه في تلك القرية فقد بناه لأن تحته كنز لأيتام مساكين وخاف أن يكشف أهل القرية ذلك الكنز ويأخذوه من الأيتام.
فليس كل ما نراه هو حقيقي. لذلك كل شخص يتصرف في ظل ما هو متاح له في موقف معين، لا تلوم الناس أو تغضب منهم لأنهم يتصرفون بطريقة لا تريدها أنت فأنت لو كنت مكانه ومررت بنفس الظروف القاسية والتجارب الصعبة لتصرفت بنفس الطريقة.
وهنا نلمس التقاطع القديم من القرآن الكريم في سورة الحجرات (12) “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم” بمنتهى السهولة هذا هو تفسير تلك النظرية.
إذاً المطلوب التأني في إطلاق الأحكام وهذا ما ذكر منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام في القرآن الكريم وذلك في سورة الحجرات، الآية “6”
” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”.
بمعنى أن الصورة الذهنية التي يكونها كل إنسان في مخيلته عن العالم الخارجي ليست هي العالم الحقيقي.
فكل إنسان يدرك العالم الخارجي من خلال المعلومات التي تستقر في ذهنه عن طريق منافذ إدراكه الخاصة (الحواس). هذه الحواس قاصرة لا تنقل إلا كمية قليلة من المعلومات عن العالم وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”. الخارجي “
فالإنسان ينظر للعالم الفسيح من ثقب إبرة ويسمع العالم المتلاطم من ثقب أصغر، فلا يدرك الإنسان من العالم إلا ما تسمح به حدود حواسه، ولا شك أنه قليل، وقصور الحواس نعمة من الله تبارك وتعالى تكفل للإنسان الراحة والسعادة والمتعة، لكنها عائق في سبيل الإدراك الكامل للعالم الخارجي.
هكذا نكون قد لمسنا “تقاطع قديم “جديد في هذه المقالة ، أتمنى لكم دوام المتعة.
بادلونا تقاطعاتكم … اينما وجدتموها